سورة الشورى - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} بفائتين، {فِي الأرْضِ} هربًا يعني لا تعجزونني حيث ما كنتم ولا تسبقونني، {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}.
قوله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي} يعني: السفن، واحدتها جارية وهي السائرة، {فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ} أي: الجبال، قال مجاهد: القصور، واحدها علم، وقال الخليل بن أحمد: كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم.
{إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ} التي تجريها، {فَيَظْلَلْنَ} يعني: الجواري، {رَوَاكِدَ} ثوابت، {عَلَى ظَهْرِهِ} على ظهر البحر لا تجري، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أي: لكل مؤمن لأن صفة المؤمن الصبر في الشدة والشكر في الرخاء.
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ} يهلكهن ويغرقهن، {بِمَا كَسَبُوا} أي: بما كسبت ركبانها من الذنوب، {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} من ذنوبهم فلا يعاقب عليها.
{وَيَعْلَمَ} قرأ أهل المدينة والشام: {ويعلم} برفع الميم على الاستئناف كقوله عز وجل في سورة براءة: {ويتوب الله على من يشاء} [التوبة- 15]، وقرأ الآخرون بالنصب على الصرف، والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب، وهو كقوله تعالى: {ويعلم الصابرين} [آل عمران- 142]، صرف من حال الجزم إلى النصب استخفافًا وكراهية لتوالي الجزم. {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} أي: يعلم الذين يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله بعد البعث أن لا مهرب لهم من عذاب الله.


{فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ} من رياش الدنيا، {فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ليس من زاد المعاد، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ} من الثواب، {خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فيه بيان أن المؤمن والكافر يستويان في أن الدنيا متاع قليل لهما يتمتعان بها فإذا صارا إلى الآخرة كان ما عند الله خير للمؤمن.
{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ} قرأ حمزة والكسائي: {كبير الإثم} على الواحد هاهنا، وفي سورة النجم، وقرأ الآخرون: {كبائر} بالجمع، وقد ذكرنا معنى الكبائر في سورة النساء {وَالْفَوَاحِشَ} قال السدي: يعني الزنا. وقال مجاهد ومقاتل: ما يوجب الحد. {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} يحلمون ويكظمون الغيظ ويتجاوزون.
{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ} أجابوه إلى ما دعاهم إليه من طاعته، {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} يتشاورون فيما يبدو لهم ولا يعجلون {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ} الظلم والعدوان، {هُمْ يَنْتَصِرُونَ} ينتقمون من ظالميهم من غير أن يعتدوا. قال ابن زيد: جعل الله المؤمنين صنفين: صنف يعفون عن ظالميهم فبدأ بذكرهم، وهو قوله: {وإذا ما غضبوا هم يغفرون}، وصنف ينتصرون من ظالميهم، وهم الذين ذكروا في هذه الآية.
قال إبراهيم في هذه الآية: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا.
قال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم، ثم مكنهم الله في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم.


ثم ذكر الله الانتصار فقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} سمى الجزاء سيئة وإن لم تكن سيئة لتشابههما في الصورة. قال مقاتل: يعني القصاص في الجراحات والدماء.
قال مجاهد والسدي: هو جواب القبيح إذا قال: أخزاك الله تقول: أخزاك الله، وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي.
قال سفيان بن عيينة: قلت لسفيان الثوري ما قوله عز وجل: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}؟ قال: أن يشتمك رجل فتشتمه، وأن يفعل بك فتفعل به، فلم أجد عنده شيئًا، فسألت هشام بن حجيرة عن هذه الآية؟ فقال: الجارح إذا جرح يقتص منه، وليس هو أن يشتمك فتشتمه.
ثم ذكر العفو فقال: {فَمَنْ عَفَا} عمن ظلمه، {وَأَصْلَحَ} بالعفو بينه وبين ظالمه، {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} قال الحسن: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من كان له على الله أجر فليقم. فلا يقوم إلا من عفا، ثم قرأ هذه الآية. {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} قال ابن عباس: الذين يبدؤون بالظلم.
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} أي: بعد ظلم الظالم إياه، {فَأُولَئِكَ} يعني المنتصرين، {مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} بعقوبة ومؤاخذة.
{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} يبدؤون بالظلم، {وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} يعملون فيها بالمعاصي، {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} فلم ينتصر، {إِنَّ ذَلِكَ} الصبر والتجاوز، {لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ} حقها وجزمها. قال مقاتل: من الأمور التي أمر الله بها. قال الزجاج: الصابر يؤتى بصبره الثواب فالرغبة في الثواب أتم عزمًا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6